1 قراءة دقيقة
الشيخ الأكبر ابن العربي: سيرة موجزة

بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ الأكبر ابن العربي

سيرة موجزة

الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي.. هو محمدُ بن عليّ بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي، من ولد عبد الله بن حاتم أخي الصحابي الجليل عديّ بن حاتم، ويلقب بمحي الدين، ويُكنّى أبا عبد الله وأبا بكر، ويُعرف بالحاتميّ أو الطائيّ وبابن عربي، وفي المغرب بابن العربي، وفي الأندلس بابن سراقة، وكذلك يُدعى بسلطان العارفين وإمام المتقين، وغيرها من ألقاب التبجيل والتشريف التي تليق به.

وُلد الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي ليلة الاثنين في السابع عشر من شهر رمضان سنة 560 للهجرة (26 تموز 1165 ميلادية)، في مدينة مُرسِية شرقي الأندلس، ثم انتقل إلى إشبيلية سنة 568/1172، فأقام بها حوالي عشرين عاماً، ذهب خلالها إلى المغرب وتونس عدة مرات، وأقام هناك لفترات متقطعة ثم ارتحل إلى المشرق للحج سنة 598/1201، ولم يعد بعدها إلى الأندلس.

وفي المشرق أقام في مصر مدة وجيزة ثم دخل مكّة وعكف على العبادة والتدريس في المسجد الحرام، حيث أفاض الله عليه أسراراً وعلوماً شريفة أودعها في كتابه المعروف بالفتوحات المكية. ثم رحل إلى العراق فدخل بغداد والموصل واجتمع برجالها. ثم طاف رضي الله عنه في بلاد الروم فسكن فيها مدة، وكان له منزلة عالية عند ملكها المسلم كيكاوس. بعد ذلك قام الشيخ برحلات عديدة بين العراق ومصر وسورية وفلسطين، حتى استقر في دمشق سنة 620/1223، إلى أن وافته المنية ليلة الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 638 للهجرة (9/11/1240 م)، ودفن بسفح جبل قاسيون. وتسمى الآن المنطقة التي فيها ضريحه باسمه (الشيخ محيي الدين)، حيث يوجد قبره في طرف المسجد الذي بناه السلطان سليم حين فتح دمشق سنة 922/1516. وخلّف رحمه الله ولدان هما سعد الدين محمد وعماد الدين أبو عبد الله محمد.

قرأ الشيخ محيي الدين القرآن في إشبيلية على الشيخ أبي بكر بن خلف بالقراءات السبع بالكتاب الكافي، ودرس التفسير وسمعه عن عدد من المؤلفين أو من يروي عنهم، منهم أبو بكر محمد بن أبي جمرة عن أبيه عن الداني مؤلف كتاب "التيسير"، ومنهم ابن زرقون وأبي محمد عبد الحق الإشبيلي الأزدي وغيرهم كثير. وسمع الحديث أيضاً من أبي القاسم الخزستاني وغيره، وسمع صحيح مسلم من الشيخ أبي الحسن بن أبي نصر.

برع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي في علم التصوف، وكتب فيه المئات من الكتب والرسائل (التي) زاد عددها عن خمسمائة كتاب، على حدّ قول عبد الرحمن جامي صاحب كتاب "نفحات الأنس". أحد هذه المؤلفات وأهمها هو كتاب "الفتوحات المكّية"، والذي هو بحق أهم مؤلَّف في التاريخ الإسلامي، بل من أهم الكتب في تاريخ البشرية. ومن مؤلفاته أيضاً كتاب "تفسير القرآن"، الذي يقول فيه صاحب كتاب "فوات الوفيات" أنه يبلغ خمساً وتسعين مجلداً، وربما هذا هو كتاب التفسير الكبير الذي بلغ فيه إلى سورة الكهف عند الآية: "وعلّمناه من لدنا علماً"، ثم توفي قبل أن يتمّه. وله أيضاً: "فصوصُ الحِكَم"، الذي يقول في مقدمته أنه رأى الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم في المنام وأعطاه كتاباً وقال له أخرجه للناس ينتفعون به، فأخرجه كما هو من غير زيادة ولا نقصان.

وله أيضاً من الكتب: "محاضرة الأبرار"، "إنشاء الدوائر"، "عقلة المستوفز"، "عنقاء مغرب في صفة ختم الأولياء وشمس المغرب"، "ترجمان الأشواق"، "التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية"، "مواقع النجوم ومطالع أهلّة أسرار العلوم"، "الجمع والتفصيل في حقائق التنزيل"، "الجُذوة المقتبسة والخطرة المختلسة"، "كشف المعنى في تفسير الأسماء الحسنى"، "المعارف الإلهية"، "الإسرا إلى المقام الأسرى"، "مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية"، "الفتوحات المدنية"، "الأحاديث القدسية"، وغيرها الكثير من الرسائل الصغيرة. ولقد قام الدكتور عثمان يحيى رحمه الله بتأليف كتاب قيّم حول مؤلفات الشيخ الأكبر سمّاه "مؤلفات ابن العربي: تاريخها وتصنيفها"، وهو باللغة الفرنسية ثم ترجمه الدكتور أحمد الطيبي إلى اللغة العربية ونشر عام 2001 من قبل الهيئة المصرية العامة للكتاب..

لقد أجمع الكتّاب والباحثون المختصون أنّ الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي لم يكن مؤلّفاً عاديّاً مثل غيره من المؤلّفين، بل كان يتميّز عن غيره بالكمّ والكيف، وهو نفسه يؤكد أنه لا يجري مجرى المؤلّفين الذين يكتبون عن فكر ورويّة، وإنما جميع ما يكتبه هو من إلهام الله تعالى له.. وقد وصفه بروكلمان بأنه من أخصب المؤلفين عقلاً وأوسعهم خيالاً.

ولقد وردت ترجمة محي الدين ابن العربي في العديد من كتب التاريخ وتراجم الرجال نذكر منها: "المختصر المحتاج إليه": ج15ص58 برقم 197، "التكملة لوفيات النقلة": ج3ص555 برقم 2972، "سير أعلام النبلاء": ج23ص48 برقم 34، "تاريخ الإسلام": (سنة 631-640) ص352 برقم 549، "الوافي بالوفيات": ج4ص173 برقم 1713، "فوات الوفيات": ج3ص435 برقم 484، "مرآة الجنان": ج4ص100، "البداية والنهاية": ج13ص167، "غاية النهاية": ج2ص208 برقم 3277، "النجوم الزاهرة": ج6ص339، "طبقات المفسرين للسيوطي": ص98 برقم 115، "طبقات المفسرين للداودي": ج2ص204 برقم 541، "نفح الطيب": ج2ص161 برقم 113، "شذرات الذهب": ج5ص190، "روضات الجنات": ج8ص51 برقم 685، "الكنى والألقاب": ج3ص164، "الأعلام": ج6ص281، "معجم المؤلفين": ج11ص40.

ولا بدّ أن نشير هنا إلى أنّ الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي، الذي نحن في حضرته، هو غير العالم الجليل القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي المعافري الإشبيلي المالكي المولود بإشبيلية سنة ‏468‏ هجرية، المشهور في الفقه والأصول والحديث، وله العديد من المؤلفات منها "قانون التأويل" و"أحكام القرآن" و"أنوار الفجر" و"الناسخ والمنسوخ والقبس في شرح موطأ الإمام مالك" و"العواصم من القواصم". وفي بعض الأحيان يخطئ بعض الدارسين بين هذين العالمين الجليلين وينقلون أقوالاً أو كتباً لأحدهما باسم الآخر. من أجل ذلك بدأ أهل المشرق يفرّقون بينهما بحيث يسمّون الشيخ الأكبر بابن عربي (بدون التعريف)، والقاضي أبا بكر بابن العربي (مع التعريف). ولكن هذا الاصطلاح لم يعُمّم خاصة وأن الشيخ الأكبر كان، منذ ولادته، وكذلك بعض أعمامه وأجداده، يدعى بابن العربي، كما ذكر هو في الكثير من كتبه، وكذلك كما ذكر تلاميذه الأوائل. وبالعموم نجده في كثيرٍ من المراجع يُدعى بهذا الاسم مع التعريف وبدونه، والأصحّ مع التعريف كما كان هو ينسب نفسه، وكما يوقّع اسمه في كتبه. ولكن يتم التفريق بين هذين العالمين الجليلين بأن الأول هو: القاضي أبو بكر ابن العربي، والثاني: محي الدين ابن العربي، مع أنه أيضاً يدعى أحياناً أبا بكر، وغالباً أبا عبد الله، وهو الأصح، وإذا لم يُذكر ذلك في بعض الكتب، فيسهل التمييز بينهما من سياق الكلام بسبب التخصّص، لأن الأول فقيه والثاني صوفي.

ويبدو أنّ أحمد بن عبد الله الحاتمي، الذي هو والد جدّ الشيخ محي الدين، هو الذي كان يُسمى بـ"العربي"، فكان ابنه محمد يسمى بـ"ابن العربي"، ومن أبناء محمد والد الشيخ محي الدين واسمه "علي"، والشيخ محي الدين اسمه محمد أيضاً، على اسم جدّه، فهو محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي، وهو يوقّع اسمه في كتبه بـ"محمد بن علي بن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي".

بالإضافة إلى هذا اللقب الذي عُرف به منذ بداية حياته فكثيراً ما يدعوه مريدوه بألقاب التعظيم والتبجيل مثل سلطان العارفين، وإمام المتقين، ومربّي الشيوخ والمريدين، والكبريت الأحمر، إلى غير ذلك من ألقاب التفخيم والتبجيل التي يستحقها. وابتداءً من القرن العاشر الهجري، بعد أن فتح السلطان سليم الأول دمشق سنة 922 للهجرة وأمر بتشييد مسجد الشيخ محي الدين وبناء ضريحه إلى جانبه، أصبح ابن العربي يُعرف باسم الشيخ الأكبر.


* من كتاب "شمس المغرب: سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه"، لمؤلِّفه: محمد علي حاج يوسف، سورية، حلب: فصّلت للدراسات والترجمة والنشر، 2006.

لتحميل الكتاب: https://drive.google.com/drive/folders/0B_5U4cCy-A_lMG9BN0JJTUxxTU0

تم عمل هذا الموقع بواسطة