الهوامش
* نُقلت هذه الرسالة حرفيًا عن الملف التالي:
http://isamveri.org/pdfdrg/D226920/2014/2014_ODEHAY.pdf
وجاء في منهج تحقيق الرسالة: "تمّ الاعتماد على نسخ أربع؛ لإخراج هذه المخطوطة إخراجًا علميًا دقيقًا. ثلاث منها أصولها في المكتبة السليمانيّة بإستنبول، والرابعة في معهد دراسات الثقافة الشرقيّة بجامعة طوكيو في اليابان".
ملاحظة: نقلت الناسخة متن الرسالة فقط، ولم تلتزم بنقل الهوامش التي في وردت الملف، خاصة تلك التي تتعلق بالمقارنة بين بعض المفردات في النسخ المختلفة للمخطوطة.
** صدر الدين القونوي: اسمه محمد بن إسحاق بن يوسف بن علي القونوي، ويُكنّى بأبي المعالي، ويُنعت بصدر الدين. وُلِد عام 607 هـ - 1209/ 1210 م في مدينة قونية ونشأ فيها. في كتابه "صدر الدين القونوي وفلسفته الصوفية"، يذكر إبراهيم ياسين: "وتقع الفترة التي ولد فيها القونوي من بداية القرن السابع الهجري أثناء حكم الملك كيكاوس لقونية، وهو الملك الذي شجّع ابن عربي على الإقامة في قونية، الأمر الذي جعل ابن عربي محلّ التقدير والاحترام، ودعاه للعودة إلى قونية حتى قرّ له أن يتزوج من والدة صدر الدين القونوي حوالي سنة 612 هــ.. ويُستنتج من هذا أن رعاية ابن عربي لربيبه صدر الدين كانت قد بدأت في وقت مبكّر من حياة القونوي وعندما كان طفلًا لم يتجاوز سني عمره الأولى. وهذا يفضي إلى نتيجة أخرى مؤداها أن رعاية الشيخ الأكبر للقونوي شملت الشّطر الأعظم من حياته، خصوصًا إذا علمنا أن التلميذ ظلّ مرتبطًا بأستاذه إلى أن توفّاه الله بدمشق عام 638 هـ وهي فترة تزيد على ثلاثين عامًا. وقد جعلت هذه الرفقة الطويلة من القونوي تمليذًا نابغة في طريقة أستاذه، ثم أستاذًا في طريقة شيخه.. ونحن نلاحظ أن أثر الأستاذ على ربيبه كان عظيمًا ممّا جعله متمكّنًا من شرح مُصنّفاته على أفضل وجه، وكتاب "الفكوك" االذي هو شرح الفصوص (فصوص الحِكَم لابن عربي) هو المرجع لبقية الّشروح، بل هو ــ حسب قول الأستاذ أبو العلا عفيفي ــ أعظم هذه الشروح على الإطلاق.. ولم يقتصر تأثير ابن عربي على القونوي على مجرد أخذه علوم الشيخ الأكبر أو شرحها في مجالسه، بل لقد امتد هذا التأثير ليشمل معظم جوانب حياة القونوي وفكره سواء كان ذلك في حياة الشيخ الأكبر أو بعد مماته.. أمضى القونوي الشطر الأكبر من حياته في دمشق، فقد ظلّت مقرًا له هو وأستاذه منذ انتقلا إليها في عام 620 هـ.".
ويضيف المؤلّف أن القونوي الذي اتّخذ من دمشق مقرًا له بعد وفاة ابن عربي، ظلّ يتردّد على قونية التي أحبّها كثيرًا، وأنه كان لا يلبث أن يعود إلى قونية ثم إلى الشام المرة بعد المرة، وبذلك أمضى حياته متنقّلًا بين المدينتين. توفّي القونوي في قونية ودُفن فيها وذلك عام 673 هـ. وأنشأ أصحاب صدر الدين زاوية عند قبره في قونية، وتوجد في هذه الزاوية مجموعة من مخطوطات الشيخ الأكبر ابن عربي، وهي المجموعة التي أهداها الشيخ إلى تلميذه صدر الدين. ومن مصنّفات القونوي "مفتاح الغيب"، "النفحات الإلهية"، "الفكوك"، "كشف سر الغيرة عن سرّ الحيرة"، "لطائف الأعلام في إشارات أهل الإلهام".
انظر: إبراهيم إبراهيم محمد ياسين، صدر الدين القونوي وفلسفته الصوفية، الإسكندرية: منشأة المعارف، 2003، ص ص 17 - 57؛ ص ص 61 – 95.
والغَيْرِيّة: مِن الغَيْر. وبذلك الصّفوة هم من لا وُجْهَة لقلوبهم سوى الحقّ تعالى.
[2] مَزِيَّة: جمع مزِيّات ومَزايا: فضيلة يمتاز بها الإنسانُ أو الشَّيءُ على غيره. والاجتباء: اجتبى الشيءَ: اصطفاه واختاره لنفسه.
[3] حول "الوجود العلميّ" و"الإمكان العدميّ"، انظروا: "الوجود والعدم عند ابن العربي"، على الرابط المختصر:
فالموجودات إنما هي بالأصل "أعيانٌ ثابتة" موجودة في "علم الله القديم"، أو في "الحضرة العِلْمِيّة"، والحضرة العلميّة هي من حضرة الغيب المطلق وهي إحدى الحضرات الخمس الإلهيّة، ويعرّف الجرجاني حضرة الغيب المطلق فيقول: "وعالمها عالم الأعيان الثابتة في الحضرة العلمية، وفي مقابلها حضرة الشهادة المطلقة: وعالهما عالم المُلك". الجرجاني، ص 78.
والعين الثابتة كما يعرفها الجرجاني "هي حقيقة في الحضرة العلميّة ليست بموجودة في الخارج بل معدومة ثابتة في علم الله تعالى"، المصدر السابق ص 134. ويقول الجرجاني: "الأعيان الثابتة هي حقائق المُمْكِنات في علم الحقّ تعالى، وهي صور حقائق الأسماء الإلهيّة في الحضرة العلميّة لا تأخّر لها عن الحقّ إلا بالذات لا بالزمان، فهي أزليّة وأبديّة، والمعنى بالإضافة: التأخّر بحسب الذات لا غير"، المصدر السابق، ص 28.
وتوضّح سعاد الحكيم مصطلع "العين الثابتة عند ابن عربي" فتقول: "عبارةُ عين ثابتة مركّبة من لفظين، يقصد ابن عربي بالعين: الحقيقة أو الذات أو الماهيّة. ويقصد بالثّبوت هنا: الوجود العقلي أو الذهني كوجود ماهيّة الإنسان أو ماهيّة المثلث في الذهن، في مقابل الوجود الذي يقصد به التحقق خارج الذهن في الزمان والمكان.. إذن، عندما يتكلم ابن عربي على "الأعيان الثابتة" إنما يقرر وجود عالم معقول توجد فيه حقائق الأشياء أو أعيانها المعقولة. إلى جانب العالم الخارجي المحسوس الذي توجد فيه أشخاص الموجودات". سعاد الحكيم، المعجم الصوفي: الحكمة في حدود الكلمة، ط 1، بيروت: دار دندرة للطباعة والنشر، 1981، ص 831.
العدم الإمكانيّ: لا يرد مصطلح العدم في مؤلفات الشيخ الأكبر وحيدًا أو مجردًا دائمًا بلا إضافات، بل لتفصيل رؤيته له كشفَ لنا عن مصطلحات جمعتها سعاد الحكيم في مؤلفها "المعجم الصوفي"؛ فهناك مصطلح "العدم الإمكاني" أو "عدم الممكن"، ومرادفات "العدم الإمكاني" في المعنى عند ابن العربي مصطلحات "العدم في القِدَم"، و"الثُّبوت" و"العدم الثبوتي"، فالمعدوم عند ابن العربي كما تحدده سعاد الحكيم هو "عين ثابتة معدومة: ثابتة في وجودها في علم الله القديم، معدومة أي مسلوب عنها الوجود الخارجي في زمان ومكان. إذن المعدوم له وجود عقليّ متميّز في علم الله. والعدم الإمكانيّ هو الثُّبوت"، المصدر السابق، ص 782. والثبوت هو حال الأعيان الثابتة قبل الإيجاد، أي وجودها في علم الله وعدمها بالنسبة للوجود الإضافي، والمُمْكِن والمُمْكِنات هي الأعيان الثابتة القابلة لكلمة الحضرة "كُنْ"، أي قبولها للإيجاد، يقول ابن العربي: "الموجودات.. لها أعيان ثابتة في حال اتصافها بالعدم الذي هو للممكن لا للمُحال.." ، محيي الدين ابن عربي، الفتوحات المكّيّة، ضبطه وصحّحه: أحمد شمس الدين، بيروت: دار الكتب العلمية، 1999، المجلد 4، ص 355. ويقول: "والممكنات في حال عدمها مهيّأة لقبول الوجود". المصدر السابق، المجلد 6، ص 228.
[4] العَرْصة: البقعة الواسعة بين الدور لا بناء فيها، وهي هنا استعارة.
[5] وهو ظهور الأعيان الثابتة في عالم المحسوسات، ذلك أن الأعيان الثابتة، أو المُمْكِنات، لا تملك في حال ثبوتها القدرة على التكوّن والتكوين، ولهذا طلب الله منها التكوّن أي طلبه لها لا له لافتقارها إلى القدرة الذاتية على التكوّن، يقول الشيخ الأكبر: "واعلم أن كل طالب إنما يطلب ما ليس عنده، فإن الحاصل لا يُبتغى، والحق لا يطلب من الممكن إلا تكوينه، وتكوينه ليس عنده ]أي ليس عند المُمْكِن[، فإن المُمْكِن في حال عدمه ليس بمُكوِّن، فالتكوين ليس بكائن في العين الثابتة الذي هو الشيء، فإذا أراده الحق قال له ﴿كُنْ فَيَكُون﴾ ]النحل: 40[، فأراد الحق حصول التكوين في ذلك الشيء لأنه ليس الكون عند ذلك الشيء، فما أراد الكون لنفسه وإنما أراده للشيء الذي ليس عنده، فإنه تعالى موجود لنفسه فهو يريد الأشياء للأشياء لا لنفسه فإنها عنده، فإنه ما من شيء إلا عنده خزائنه، ولا تكون خزائن إلا بما يُختزن فيها، فالأشياء عنده مختزنة في حال ثبوتها، فإذا أراد تكوينها لها أنزلها من تلك الخزائن وأمرها أن تكون فتكتسي حلّة الوجود فيظهر عينها لعينها..". المصدر السابق، المجلد 8، ص 13.
[6] وهو القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾، ]الأنعام: 98[. وقال تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾، ]نوح: 14[.
[7] السَّد: حاجز، فاصل بين شيئين، والمقصود هنا أن الوجود في القالب البشريّ الجسماني هو بحدّ ذاته سدٌّ = حجابٌ يمنع من رؤية الحقائق. والتَّشغيب: مصدر شَغَّب، شَغّبَ الناسَ أو عليهم أو فيهم أو بهم: أثار بينهم الشرّ والفتنة. والتَّشْغيب: تهييج الشرّ. والمقصود: أن الطبيعة البشرية بها من التخليط العنصريّ الطبيعيّ والمزج بين الأضداد ــ كالخير والشرّ ــ ما يجعلها أشبه بأرض مضطربة بالشّغب والفتنة والجَلَبة والخصام، قال تعالى ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾، [الشمس: 7 – 10]، وقال تعالى ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾، [الإنسان: 2 – 3]، وأمشاج: أَخْلاط.
[9] اللُّجِّيُّ : المنسوب إِلى اللُّجّة. قال تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾، [النور: 40]. والبحر اللجّي: عميق كثير الماء، متلاطم الأمواج. وسُدفة اللجيّ الطبيعيّ العنصريّ: أي ظُلمة التخليط والتركيب في الطبيعة البشرية.
[10] حقُّ اليقين: "استيلاء نور تجلّي الحقيقة على ظُلمة رَسْمِ العبد. وفي النهايات: الفناء في حقّ اليقين عن رسمه بالكليّة". عبد الرزاق الكاشاني، معجم اصطلاحات الصوفية، تحقيق وتقديم وتعليق: عبد العال شاهين، القاهرة: دار المنار، ط1، 1992، ص 275. وهو: "عبارة عن فناء العبد في الحقّ، والبقاء به علمًا وشهودًا وحالًا، لا علمًا فقط.. وقيل: علم اليقين ظاهر الشريعة، وعين اليقين الإخلاص فيها، وحقّ اليقين المشاهدة فيها". الجرجاني، ص 80.
[11] قيل لأبي سعيد الخرار: بِمَ عرفتَ الله؟ قال: بجمعه بين الأضداد، ثم تلا قوله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾، [الحديد: 3].
[12] فما عبد عابدٌ غيره سبحانه كما يقول الشيخ الأكبر "كتاب الألف وهو كتاب الأحديّة": " ثم إن الأحدية قد أُطلقت على كل موجود من إنسان وغيره، لئلا يطمع فيها الإنسان، فقال تعالى: ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]، وقد أشرك المشركون معه الملائكة والنجوم والأناسي والشياطين والحيوانات والشجر والجمادات، فصارت الأحدية سارية في كل موجود، فزال طمع الإنسان من الاختصاص، وإنّما عمّت جميع المخلوقات الأحديّةُ، للسّرَيان الإلهي الذي لا يشعر به خَلْقٌ إلا من شاء الله، وهو قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23]، وقضاؤه لا سبيل أن يكون في وسع مخلوق أن يردّه، فهو ماضٍ نافذٌ، فما عَبَدَ عابدٌ غيره سبحانه، فإذن الشريك هو الأحد، وليس المعبود هو الشخص المنصوب، وإنما هو السرّ المطلوب، وهو سرّ الأحدية، وهو مطلوب لا يُلْحَق، وإنما يُعْبَد الربّ، والله تعالى الجامع، ولهذا أشار لأهل الإفهام بقوله تعالى: ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]، فإن الأحد لا يقبل الشركة وليست له العبادة وإنما هي للربّ، فتنبّه على تَوْفِيَةِ مقام الربوبية وإبقاء الأحدية على التنزيه.. والواحد لم يُثَنَّ بغيره أصلًا وإنما ظهر العدد والكثرة بتصرفه في مراتب معقولة غير موجودة، فكل ما في الوجود واحد، ولو لم يكن واحد لم يصحّ أن تثبت الوحدانية عنده لله سبحانه، فإنه ما أثبت لمُوجِدِه إلا ما هو عليه كما قيل: وفي كل شيء له آية، تدل على أنه واحـد. وهذه الآية التي في كل شيء التي تدل على وحدانية الله هي وحدانية الشيء لا أمر آخر، وما في الوجود شيء من جمالٍ وغيره وعالٍ وسافلٍ إلا عارفًا بوحدانية خالقه فهو واحد ولا بدّ، ولا تتخيل أن المشرك لا يقول بالواحد بل يقول به لكن من مكان بعيد، ولهذا شَقِيَ بالبعد، والمؤمن يقول به من مكان قريب ولهذا سَعِدَ بالقرب، وإلا فهذا المشرك قد أثبت وحدانية ذات المعبود وأثبت وحدانية الشريك ثم أعطى لوحدانية الشريك وحدانية حسّية وأعطى لوحدانية الحق وحدانية سرّه، كما توجّه الوجه للكعبة وتوجّه القلب إلى الحقّ، غير أنه لما كان الأمر مشروعًا كان قربة، وكما سجدت ذوات الملائكة لآدم وأسرارُهم لخالقها، فكلّ عبادة قامت عن أمر أثنى عليها، وكل عبادة لم تقم عن أمر ذُمَّتْ ولم يَثْنِ عليها، لكن قامت على المشيئة التي هي مستوى ذات الأحدية، ولهذا قال تعالى: ﴿مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: 27]، فأثبت أن لها حقًا ينبغي أن يُراعى ويُحفظ وذلك للغيرة الإلهية، فإنه لولا سرّ الألوهية التي تخيلوها في هذا المعبود ما عبدوه أصلًا، فقام لهم سرّ الألوهية مقام الأمر لنا، غير أن الحق قرن السعادة بأمر المشيئة وقرن الشقاء بإرادة المشيئة، فما ثَمَّ مُشَرِّع غير الله، فشرعٌ ينزل على الأسرار من خلف حجاب العقل، نزل به رسول الفكر عن إرادة المشيئة ويسميها الحكماء السياسة، ولهذا تخيلوا أن شرع الأنبياء هكذا يُنَزَّلُ عليهم وهكذا هو أصله وما عرفوا أمر المشيئة. وسبب هذا جهلهم بالمشيئة، فإذن المعبود بكل لسان وفي كل حال وزمان إنما هو الواحد، والعابد من كل عابد إنما هو الواحد فما ثمّ إلا الواحد..". محيي الدين ابن عربي، رسائل ابن عربي، وضع حواشيه: محمد عبد الكريم النمّري، بيروت، دار الكتب العلمية، ط2، 2010، ص 38 – 39.
[13] مِراء: مصدر مارى: شكٌّ، ارتياب.
[14] قال تعالى: ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، [البقرة: 213].
[15] أدواء: جمع داء. والداء: المرض ظاهرًا أو باطنًا. والداء: العيب باطنًا أو ظاهرًا.
[16] [المجادلة: 22].
[18] باعتباره صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وأكمل موجود في النوع الإنساني: يقول الشيخ الأكبر في "فصوص الحكم" في باب: "فص حكمة فردية في كلمة محمدية": "إنما كانت حكمته فردية لأنه أكمل موجود في هذا النوع الإنساني، ولهذا بُدئ به الأمر وخُتم: فكان نبيًا وآدم بين الماء والطين، ثم كان بنشأته العنصرية خاتم النبيين.. فكان عليه السلام أدلّ دليل على ربه، فإنه أُوتي جوامع الكَلِم..". محيي الدين ابن عربي، فُصوص الحِكَم، التعليقات عليه: أبو العلا عفيفي، بيروت: دار الكتاب العربي، الجزء الأول، ص 214.
[19] الكُمّل: جمع كامل. والمقصود هنا من حاز من الأولياء مرتبة "الإنسان الكامل"؛ يقول الشيخ الأكبر: ".. فإن الله لما أحبَّ أن يُعرَف، لم يمكن أن يعرفه إلا من هو على صورته، وما أوجد الله على صورته أحدًا إلا الإنسان الكامل لا الإنسان الحيوان، فإذا حصل حصلت المعرفة المطلوبة فأوجد ما أوجد من الأسباب لظهور عين الإنسان الكامل.. وعلمت أن العلم بالله ــ المُحدَث ــ الذي هو على صورة العلم بالله ــ القديم ــ لا يتمكّن أن يكون إلا لمن هو في خَلْقِه على الصورة، وليس غير الإنسان الكامل، ولهذا سُمِّي كاملًا، وأنه روح العالم، والعالم مُسَخَّرٌ له علوّه وسفله، وأن الإنسان الحيوان من جملة العالم المُسَخَّر له، وأنه يشبه الإنسان الكامل في الصورة الظاهرة، لا في الباطن من حيث الرتبة، كما يشبه القرد الإنسان في جميع أعضائه الظاهرة، فتأمّل درجة الإنسان الحيوان من درجة الإنسان الكامل، واعلم أنّك العين المقصودة، فما وُجدت الأسباب إلا بسببك، لتظهر أنت، فما كانت مطلوبة لانفسها". ويقول: "ولمّا لم يتمكّن أن يكون كل إنسان له مرتبة الكمال المطلوبة في الإنسانية ــ وإن كان يفضل بعضهم بعضًا ــ فأدناهم منزلة مَنْ هو إنسان حيواني، وأعلاهم من هو ظِلُّ الله، وهو الإنسان الكامل نائب الحقّ، يكون الحقّ لسانه وجميع قواه، وما بين هذين المقاميْن مراتب، ففي زمان الرسل يكون الكامل رسولًا، وفي زمان انقطاع الرسالة يكون الكامل وارِثًا، ولا ظهور للوارث مع وجود الرسول، إذ الوارث لا يكون وارثًا إلا بعد موت من يرثه، فلم يتمكّن للصاحب مع وجود الرسول أن تكون له هذه المرتبة، فالأمر ينزل من الله على الدوام لا ينقطع، فلا يقبله إلا الرسل خاصّة على الكمال، فإذا فُقِدوا حينئذ وُجِد ذلك الاستعداد في غير الرسل، فقبلوا ذلك التّنزّل الإلهيّ في قلوبهم، فَسُمّوا وَرَثة، ولم ينطلق عليهم اسم رسل مع كونهم يخبرون عن الله بالتّنزّل الإلهيّ..". ابن عربي، الفتوحات، المجلد 5، ص 399.
[20] الأمَمُ: القُرب. وتعني: اليسير القريب التناول، والأمَم: البيّن من الأمور، وتعني أيضًا: الوسط.
[21] الذِّكْر: "الخلاص من النسيان بدوام حضور القلب مع الحقّ. وصورته في البدايات: الذكر الظاهر. وفي الأبواب: الذكر الخفيّ. وفي المعاملات: ذكر الفعّال لما يريد برؤية الأفعال كلها منه والأمور كلها بيده. وفي الأخلاق: ذكر الأخلاق الإلهية، والتشوّق إلى التخلّق بها..". الكاشاني، ص 277.
[22] أي تخليص القلب من التعلقات الدنيوية، بحيث لا يكون له وجهة سوى الحقّ تعالى.
[23] ظاهر الذكر: ذكر اللسان. باطن الذكر: ذكر القلب.
[24] أي الذكر باللسان والقلب معًا.
[25] مقام القُربة: في معرض إجابته على سؤال الحكيم الترمذيّ: "أين منازل أهل القربة؟" يقول الشيخ الأكبر ابن عربي: "بين الصدّيقية ونبوّة الشرائع، فلم تبلغ ]أي منازل أهل القربة[ منزلةَ نبيّ التشريع من النبوّة العامة، ولا هو من الصدّيقين الذين هم أتباع الرسول لقول الرسل. وهو مقام المقرّبين. وتقريب الحقّ لهم على وجهين: وجه اختصاص من غير تعمّل كالقائم في آخر الزمان وأمثاله.. ووجه آخر: من طريق التعمّل، كالخضر وأمثاله. والمقام واحد ولكن الحصول فيه على ما ذكرناه. ومن ثَمَّ يتبيّن الرسول من النبيّ ويعمّ الجميع هذا المقام، وهو مقام المقرّبين والأفراد، وفي هذا المقام يلتحق البشر بالملأ الأعلى، ويقع الاختصاص الإلهي فيما يكون من الحقّ لهؤلاء". أحمد عبد الرحيم السايح وتوفيق علي وهبة (إعداد وتحقيق)، أجوبة ابن عربي على أسئلة الحكيم الترمذيّ، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، ط1، 2006، ص 6-7.
[26] المنصّة: "مجلى الأعراس وهي تجليات روحانية". والتجلّي: ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب. ابن عربي، رسائل ابن عربي، ص 415؛ ص 412.
[27] التدلّي: "نزول المقرّبين، ويُطلق بإزاء نزول الحقّ إليهم عند التّداني". والتداني: "معراج المقرّبين". المصدر السابق، ص 414.
[28] العفْص: ثمرة البلوط، يُتَّخذ منها الحبر أو الصبغ. والزّاج: مادة كبريتيّة.
[29] الخلافة عند ابن عربي هي أولًا: الخليفة هو الله، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه ربه في سفره: "أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل" وثانيًا: الخلفاء هم أفراد النوع الإنساني: وهم إما خلفاء عن الله (الرسل والأنبياء)، أو يخلفون عن الرسل ويخلف بعضهم بعض (أولياء). والخلافة رتبة لا يستحقها إلا من خُلق على الصورتين، الإلهية والكونية، أي من جمع في ذاته جميع الحقائق، الحق والعالم. وهو الإنسان الكامل. الحكيم، ص 412 – 414.
[31] الهَيُولى: "لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة، وفي الاصطلاح: هي جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال محلّ للصورتين الجسميّة والنوعيّة". الجرجاني، ص 216. والهَيُولي: "اسم الشيء بنسبته إلى ما يظهر فيه صورة، فكل باطن يظهر فيه صورة يسمونه هيولى". الكاشاني، ص 72. ويقول عبد الكريم الجيلي في المرتبة التاسعة عشرة من مراتب الوجود، وهي الهيولى: "من مراتب الوجود. وهي الهيولى، وهي حضرة التشكيل والتصوير تتولّد هذه الصور منها كما تتولّد الأمواج من البحر، فإذا اقتضت الهيولى صورة من صور الوجود كان حتمًا على الطبيعة إبرازها في العالم بالقدرة الإلهية؛ لأن الله تعالى جعل اقتضاء الهيولى سببًا لإيجاد تلك الصورة، كما جعل دعاء المضطر سببًا لإجابته تعالى، فقال تعالى ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ﴾ [النمل: 62]، فاقتضاء الصورة من الهيولى دعاء لسان الحال لوجود ما اضطرت إلى وجوده، وهي الصورة التي تعيّنت في الهيولى، وتقدير الحق على الطبيعة بإيجاد تلك الصورة هي الإجابة الإلهية، فالهيولى بالنسبة إلى الصورة والأشكال كالماء للأشجار، يتغيّر بحسب كل شجرة وثمرتها، قال الله تعالى ﴿يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ"﴾ [الرعد: 4]، فالماء أصل لجميع النباتات في ذواتها غير متميّزة بعض عن بعضها بالفضل والطعم والقدر والقدرة والثمر والحسن والقبح، إلى غير ذلك من الأمور التي تتميز بها الأشياء بالفضل، بزيادة الحل والقيمة والنفع والطهارة واللطف، فكما أن النباتات صور للماء، كذلك الصور كلها صور حقيقة الهيولى وتمامها بتمام الصور، وليس للصور آخِر فليس لها نهاية فهي تحت الطبيعة لأن اقتضاءها إنما هو بحكم الطبيعة، فافهم". عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي، مراتب الوجود وحقيقة كل موجود، القاهرة: مكتبة القاهرة، ط1، 1999، ص 33-34.
[32] اسْتجَنَّ: اسْتَتَرَ، والمُسْتَجِنُّ: المَسْتور.
[34] يقول القشيري: "والخواطر خطاب يرد على الضمائر، وهو قد يكون بإلقاء مَلَك، وقد يكون بإلقاء شيطان، ويكون أحاديثَ النفس، ويكون من قبل الحقّ سبحانه. فإذا كان من المَلَك فهو الإلهام. وإذا كان من قبل النّفْس، قيل له: الهواجس. وإذا كان من قبل الشيطان فهو الوسواس. وإذا كان من قبل الله سبحانه، وإلقائه في القلب، فهو: خاطرٌ حقّ". أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، الرسالة القشيرية، وضع حواشيه: خليل منصور، بيروت: دار الكتب العلمية، 2001، ص 119.
[38] نَتَا نُتُوًّا، نتا العضو: وَرِم. ونتا الصخرُ، أي خرج من موضعه، بَرَزَ.
[43] البقاء هو: "رؤية العبد قيام الله على كل شيء. والفناء: رؤية العبد للعلّة بقيام الله على ذلك". ابن عربي، رسائل ابن عربي، ص 410.