بسم الله الرحمن الرحيم
وصية
(إياك والمِراء في شيء من الدين)
الشيخ الأكبر ابن العربي
إياك والمِراء في شيء من الدين، وهو الجدال، فلا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون محقّاً، أو مبطِلاً، كما يفعل فقهاء زماننا اليوم في مجالس مناظراتهم، ينوون في ذلك تلقيح خواطرهم. فقد يلتزم المناظر في ذلك مذهباً لا يعتقده، وقولاً لا يرتضيه، وهو يجادل به صاحب الحق الذي يعتقد فيه أنه حقّ، ثم تخدعه النفس في ذلك، بأن تقول له: إنما نفعل ذلك لتلقيح الخاطر، لا لإقامة الباطل، وما عَلِمَ أن الله عند لسان كلّ قائل، وأن العامّيّ إذا سمع مقالته بالباطل، وظهوره على صاحب الحق، وهو عنده أنه فقيه، عمل العامّيّ المقلِّد على ذلك الباطل، لما رأى من ظهوره على صفة الحقّ، وعجز صاحب الحق عن مقاومته، فلا يزال إلاثم يتعلّق به ما دام هذا السامع يعمل بما سمع منه.
ولهذا ورد في الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الثابت أنه قال "أنا زعيمٌ ببيت في ربض الجنة لمن ترك المِراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً". ومنه المِراء في الباطل. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يمزح ولا يقول إلا حقّاً.
* الفتوحات المكّية، الباب 560.