1 قراءة دقيقة
إيّاك أن تصور صورة بيدك من شأنها أن يكون لها روح

بسم الله الرحمن الرحيم

وصية

(إيّاك أن تصور صورة بيدك من شأنها أن يكون لها روح)

الشيخ الأكبر ابن العربي

وإيّاك أن تصور صورة بيدك من شأنها أن يكون لها روح، فإن ذلك أمر يهوّنه الناس على أنفسهم وهُوَ عِنْدَ الله عَظِيمٌ‏، فالمصوّرون أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة؛ يقال للمصوّر يوم القيامة: أحيي ما خلقتَ أو انفخ فيها روحاً، وليس بنافخ‏. وقد ورد في الصحيح عن الله تعالى أنه قال "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي، فليخلقوا ذرّة، أو ليخلقوا حبّة، أو ليخلقوا شعيرة". وإن العبد إذا راعى هذا القدر وتركه لما ورد عن الله فيه، ولم يزاحم الربوبيّة في تصوير شي‏ء، لا من حيوان ولا من غير حيوان، فإنه يطّلع على حياة كل صورة في العالم، فيراه كله حيواناً ناطقاً يسبّح بحمد الله. وإذا سامح نفسه في تصوير النبات، وما ليس له روح في الشاهد في نظر البصر في المعتاد، فلا يطّلع على مثل هذا الكشف أبداً، فإنه، في نفس الأمر، لكل صورة من العالم روح، أخذ الله بأبصارنا عن إدراك حياة ما تقول عنه إنه ليس بحيوان، وفي الآخرة يتكشف الأمر في العموم، ولهذا سمّاها بالدار الحيوان، فما ترى فيها شيئاً إلا حياً ناطقاً، بخلاف حالك في الدنيا.

كما روى في الصحيح أن الحصى سبّح في كفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم،‏ فجعل الناسُ خرقَ العادة في تسبيح الحصى، وأخطؤوا، وإنما خرق العادة في سمع السامعين ذلك؛ فإنه لم يزل مسبّحاً كما أخبر الله. إلا أن يسبّح بتسبيح خاص، أو هيئة في النطق خاصة لم يكن الحصى قبل ذلك يسبّح به، ولا على تلك الكيفية، فحينئذ يكون خرق العادة في الحصى، لا في سمع السامع، والذي في سمع السامع كونه سَمِعَ نُطقَ من لم تجرِ العادة أن يسمعه‏.


* الفتوحات المكّية، الباب 560.

تم عمل هذا الموقع بواسطة