1 قراءة دقيقة
إيّاك والخيلاء

بسم الله الرحمن الرحيم 

وصية

(إيّاك والخيلاء)

الشيخ الأكبر ابن العربي

إيّاك والخيلاء، وارفع ثوبك فوق كعبك، أو إلى نصف ساقك‏. روي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال "أُزْرَةُ المؤمن إلى نصف ساقه‏" أو كما قال. ولعليّ بن أبي طالب في ذلك:‏

تقصيركَ الثوبَ حقّاً *** أَنْقى وأَبْقى وأَتْقى‏

فأمّا قوله "أنقى"؛ فلارتفاعه عن القاذورات التي تكون في الطرق والنجاسات. وأمّا قوله "أبقى"؛ فإن الثوب إذا طال حكَّ في الأرض بالمشي، فيسارع إليه التقطيع، فيقلّ عمر الثوب، فإنه يَخْلَقُ بالعَجَلة إذا طال بما يصيب الأرض منه. وأما قوله "أتقى"؛ فإنه مشروع، أعني تقصير الثوب إلى نصف الساق، والمتّقي من جعل الشرع له وقايةً وجُنّةً يتّقي به ما يؤذيه من شياطين الإنس والجنّ، "وإن الله لا ينظر لمن يجرّ ثوبَه خُيلاء".

وإيّاك أن تسأل الناس تكثّراً وعندك ما يغنيك في حال سؤلك؛ فإن المسألةَ خُدوشٌ أو خُموشٌ في وجهك يوم القيامة. فإذا اضطررتَ، ولم تقدر على شغل؛ فَسَلْ قوتَك لا تتعدّاه إذا لم يرزقك الله يقيناً وثقة به، وكفّارة ذلك السؤال عدم تكثّرك واقتصارك في المسألة على بُلْغَةِ وقتِك. فإن مسألةَ المؤمن حَرَقُ النار، ومعنى ذلك أن المؤمن يجد عند سؤاله مخلوقاً مثله في دفع ضرورته مثل حَرَقِ النار في قلبه من الحياء في ذلك، حيث لم يُنْزِل مسألته ودَفْع ضرورته بربّه الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ء، وهو الذي يسخّر له هذا المسؤول منه حتى يعطيه. ومن وجد ذلك (أي حَرَق النار) تعزُّزاً وتكبُّراً حيث التجأ إلى مخلوق مثله؛ فذلك من شرف همّته من حيث لا يشعر، وشرف الهمّة أحسن من دناءة الهمّة، فإن العبد يتعزّز على عبدٍ مثله، كما أن فخره وشرفه (يكون) في فقره إلى سيّده، وسؤالِه في دفع ضروراته، ومُلمّاته، وقضاء مهمّاته‏.


* الفتوحات المكّية، الباب 560.

تم عمل هذا الموقع بواسطة