بسم الله الرحمن الرحيم
وصية
(عليك بإقامة حدود الله في نفسك)
الشيخ الأكبر ابن العربي
وعليك بإقامة حدود الله في نفسك، وفيمن تملكه، فإنك مسئول من الله عن ذلك, فإن كنت ذا سلطان تعيّن عليك إقامة حدود الله فيمن ولّاك اللهُ عليه، "فكلّكم راعٍ ومسئول عن رعيّته"، وليس سوى إقامة حدود الله فيهم. وأقل الولايات ولايتك على نفسك وجوارحك، فأقِم فيها حدودَ الله إلى الخلافة الكبرى، فإنك نائبُ الله على كل حال في نفْسِك فما فوقها. وقد ورد الحديث الثابت في الذي يقيم حدود الله والواقع فيها فمثّلهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم "بقوم استهموا على سفينة؛ فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين أسفلها إذا استقوا مرّوا على مَن فوقهم، فقالوا: إنا نخرق في نصيبنا، لا نؤذي مَن فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً".
فإذا خطر لك يا وليّي خاطرٌ يأمرك بالخير، فذلك لَمّةُ المَلَك. ثم يأتي بعد ذلك خاطرٌ ينهاك عن ذلك الخير أن تفعله، فذلك لَمّةُ الشيطان. ولا تعرف الخير والشر إلا بتعريف الشرع. وإذا خطر لك خاطرٌ يأمرك بفعل الشرّ فذلك لَمّة الشيطان. فإذا أعقبه خاطرٌ ينهاك عن فعل ذلك الشرّ، فذلك لَمّة المَلَك. وأنتَ السفينة: إن انخرقت هلكتَ، وهلك جميع مَن فيك. فعليك بعلم الشريعة، فإنك لن تعلم حدود الله حتى تقوم بها، أو تعرف مَن يقع فيها ممّن قام بها، إلا أن تعلم علم الشريعة، فيتعيّن عليك طلب علم الشريعة، لإقامة حدود الله.
* الفتوحات المكّية، الباب 560.