بسم الله الرحمن الرحيم
وصية
(عليك بالتودّد لعباد الله من المؤمنين)
الشيخ الأكبر ابن العربي
وعليك بالتودّد لعباد الله من المؤمنين، بإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والسعي في قضاء حوائجهم. واعلم أن المؤمنين أجمعهم جسدٌ واحد كإنسان واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى. كذلك المؤمن، إذا أصيب أخوه المؤمن بمصيبة، فكأنه هو الذي أصيب بها، فيتألّم لتألّمه. ومتى لم يفعل ذلك المؤمن مع المؤمنين فما ثبتت أخوّة الايمان بينه وبينهم، فإن الله قد واخى بين المؤمنين، كما واخى بين أعضاء جسد الإنسان، وبهذا وقع المَثَل من النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الحديث الثابت، وهو قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم "مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر".
واعلم أن "المؤمن كثيرٌ بأخيه"، وأن "المؤمن" لمّا كان من أسماء الله، مع ما ينضاف إلى ذلك مِن خَلْقِهِ على الصورة، ثبت النسب، و"المؤمن أخو المؤمن لا يُسلِمه ولا يخذله". فمن كان مؤمناً بالله، من حيث ما هو الله مؤمن، فإنه يصدقه في فعله وقوله وحاله، وهذه هي العصمة؛ فإن الله من كونه مؤمناً يصدقه في ذلك، ولا يصدق اللهُ إلا الصادق، فإن تصديق الكاذب على الله مُحال، فإن الكذب عليه محال، وتصديق الكاذب كذبٌ بلا شكّ. فمن ثبت إيمانه بالله من كون الله مؤمناً، فإن هذا العبد لا شك أنه من الصادقين في جميع أموره مع الله، لأنه مؤمن بـ(أن) الله مؤمن به أيضاً. فتنبّه لما دللتك عليه، ووصّيتك به في الإيمان بالله من كونه مؤمناً، تنتفع. فإني قد أريتك الطريق الموصل إلى نيل ذلك، واعتصم بالله "وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، فإن الله عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيم، وليس إلا ما شرعه لعباده.
* الفتوحات المكّية، الباب 560.