بسم الله الرحمن الرحيم
وصية
(عليك بالهجرة ولا تقم بين أظهر الكفار)
الشيخ الأكبر ابن العربي
وعليك بالهجرة، ولا تقم بين أظهر الكفار، فإن في ذلك إهانة دين الإسلام، وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله، فإن الله ما أمر بالقتال إلا لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى. وإياك والإقامة أو الدخول تحت ذمّة كافر ما استطعت.
واعلم أن المقيم بين أظهر الكفار، مع تمكّنه من الخروج من بين ظهرانيهم، لا حظّ له في الإسلام، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد تبرّأ منه، ولا يتبرّأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من مسلم، وقد ثبت عنه أنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال "أنا بريء من مسلم يقيم بين أظهر المشركين"، فما اعتبر له كلمة الإسلام. وقال الله تعالى فيمن مات وهو بين أظهر المشركين "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ في الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وساءَتْ مَصِيراً".
ولهذا حجرنا، في هذا الزمان، على الناس زيارة بيت المقدس والإقامة فيه، لكونه بيد الكفار، فالولاية لهم والتحكّم في المسلمين، والمسلمون معهم على أسوأ حال، نعوذ بالله من تحكّم الأهواء. فالزائرون اليوم البيت المقدس، والمقيمون فيه من المسلمين، هم من الذين قال الله فيهم "ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً". وكذلك فلتهاجر عن كلّ خُلق مذموم شرعاً، قد ذمّه الحقُّ في كتابه، أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
* الفتوحات المكّية، 560.