بسم الله الرحمن الرحيم
وصية
(عليك بمراعاة حالك في الزمان بين الصلاتين)
الشيخ الأكبر ابن العربي
وعليك بمراعاة حالك في الزمان بين الصلاتين، وأنت لا تخلو أبداً أن تكون بين صلاتين، فإن الأمر دَوْرٌ. والزمان الذي بين الظهر والعصر زمانٌ بين صلاتين، وكذلك بين العصر والمغرب، وبين المغرب والعشاء، وبين العشاء والصبح، وبين الصبح والظهر، ودار الدّوْرُ، وجاء الكَوْرُ. وإذا خرج وقت صلاة، دخل وقت صلاة لأخرى، إلا صلاة الصبح، فإنه لا يدخل وقت صلاة الظهر بخروج وقت صلاة الصبح بلا خلاف، وكذلك العتمة والصبح بخلاف. إلا أنه لا يدخل وقت الظهر إلا بعد خروج وقت الصبح، لا بد من ذلك، فلا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت التي قبلها، فالداخلة أبداً على أثر الخارجة.
وقد يكون بعد طلوع الشمس وقتُ أداء الصبح بوجهٍ إلى أن تزول الشمس، فيدخل وقت الظهر، وذلك أن الإنسان قد يصلي الركعة الأولى من الصبح مثلاً قبل طلوع الشمس، ويقول الشارع فيه: "إنه أدرك الصبح"، فتطلع الشمس عليه وقد شرع في الركعة الثانية من الصبح، فلو أطالها إلى حد الزوال لجاز، وذلك وقتها، وهو مُؤدٍّ لها، فما خرج وقت صلاة الصبح في حق هذا حتى دخل وقت الظهر. وهكذا في جميع الصلوات، فإن أوقات هذه الصلوات فيها خلاف بين العلماء، فلهذا ذكرناها تنبيهاً على أن فيها خلافاً. فيجوز على هذا أن تكون صلاةٌ على أثر صلاة، ولا لغو بينهما. فقد جعل أن بين الصلاتين زماناً لا صلاة فيه، ذلك الزمان هو زمان اللغو، أو تركه.
وإنما قلنا: زمان اللغو أو تركه، للحديث الثابت "صلاةٌ على أثر صلاة لا لغو بينهما؛ كتابٌ في عِليّين"، ويدخل في هذا الحديث صلاة النافلة بعد النافلة، والنافلة بعد الفريضة، والفريضة بعد النافلة، والفريضة بعد الفريضة. واللغو من الكلام هو الساقطُ لا دخول له في الميزان، وهو المباح، فيقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الرجل يصلّي الصلاة ثم يتبعها بصلاة أخرى، ولم يفعل بين هاتين الصلاتين، في الزمان الذي لا يكون فيه مصلياً، فعلاً مباحاً من قول وعمل، بل كان مشتغلاً بما يدخل الميزان من أمر مندوب إليه، من ذكرٍ أو غير ذكر، ثم يصلي الصلاة الأخرى، فإن ذلك كتابٌ في عِليّين؛ لأنه لم يفعل بين الصلاتين لغواً أصلاً، وهذا عزيز الوقوع. فإن أَحْمَدَ أحوال الناس اليوم من يتصرف في المباح، فلا عليه ولا له، والغالب من أحوال الناس التصرف في المكروه أو المحظور، فلهذا أوصيتك بمراعاة الزمان الذي بين الصلاتين. وما رأيت أحداً نبّه عليه، إلا إن كان وما وصل إلينا، إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم، ومنه أخذنا ذلك.
* الفتوحات المكّية، الباب 560.