بسم الله الرحمن الرحيم
وصية
(كن عُمَرِيَّ الفعل)
الشيخ الأكبر ابن العربي
كن عُمَرِيَّ الفعل، فإن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول "مَن خَدَعَنا في الله انخدعنا له" فاحذر يا أخي إذا رأيت أحداً يخدعك في الله، وأنت تعلم بخداعه إيّاك، فمن كَرَمِ الأخلاق أن تنخدع له، ولا توجِدَهُ إنك عرفت بخداعه، وتَبالَهْ له حتى يغلب على ظنّه أنه قد أثّر فيك بخداعه، ولا يدري أنك تعلم بذلك. لأنك إذا قمت في هذه الصفة، فقد وفّيت الأمر حقَّه؛ فإنك ما عاملتَ إلا الصفة التي ظهرَ لك بها، والإنسانُ إنما يعامل الناس لصفاتهم لا لأعيانهم، ألا تراه لو كان صادقاً غير مخادع، لَوجبَ عليك أن تعامله بما ظهر لك منه، وهو ما يَسْعَدُ إلا بصدقه، كما أنه يَشقى بخداعه ونفاقه، فإن المخادع منافق.
فلا تفضحه في خداعه، وتجاهل له، وانصبغ له باللون الذي أراده منك أن تنصبغ له به، وادع له وارحمه، عسى الله أن ينفعه بك، ويجيب فيه صالح دعائك، فإنك إذا فعلت هذا كنت مؤمناً حقاً، فإنّ "المؤمن غَرٌّ كريم"، لأن خُلُق الايمان تعطي المعاملة بالظاهر، و"المنافق خِبٌّ لئيم"، أي لئيم على نفسه، حيث لم يسلك بها طريق نجاتها وسعادتها.
كن رداءً وقميصاً لأخيك المؤمن، وحُطّهُ من ورائه، واحفظه في نفسه وعرضه وأهله وولده، فإنك أخوه بنصّ الكتاب العزيز، واجعله مرآةً ترى فيها نفسك، فكما تزيل عنك كل أذى تكشفه لك المرآة في وجهك، كذلك فَلْتُزِلْ عن أخيك المؤمن كل أذى يتأذّى به في نفسه، فإن نفسَ الشيء وجههُ وحقيقته.
* الفتوحات المكّية، الباب 560.