1 قراءة دقيقة
لا تعقد مع الله عقداً ولا عهداً ثم تنقضه

بسم الله الرحمن الرحيم 

وصية

(لا تعقد مع الله عقداً ولا عهداً ثم تنقضه)

الشيخ الأكبر ابن العربي

الله الله أن تعود في شي‏ء خرجت عنه لله تعالى، ولا تعقد مع الله عقداً ولا عهداً ثم تنقضه بعد ذلك وتحلّه ولا تفي به، ولو تركته لما هو خير منه، فإن ذلك من خاطر الشيطان، فافعله وافعل الخير الآخر الذي أخطره لك الشيطان حتى لا تفي بالأول، فإن غرضه أن توصَف بوصف "الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله من بَعْدِ مِيثاقِهِ".

وعليك بصلة الرحم فإنها "شجنةٌ من الرحمن"، وبها وقع النسب بيننا وبين الله، فمن وصل رحمه وصله الله، ومن قطع رحمه قطعه الله.

وإذا استُشِرتَ في أمر فقد أمّنَك المستشير، فلا تخنه، فإن كان في نكاح؛ فإن شئت أن تذكر ما تعرفه فيمن سُئلَت عنه، ممّا يكرهه لو سمعه، فإن ذلك الذكر ليس بغيبة يتعلّق بها ذمّ. فإن كنت من أهل الورع الأشدّاء فيه، ويحوك في نفسك شي‏ء من هذا الذكر، فلا تذكر ما تعرف فيه من القبيح، وقل كلاماً مُجْمَلاً، مثل أن تقول "ما تصلح لكم مصاهرته"، من غير تعيين، ويكفي هذا القدر من الكلام. فإن كنت تعلم من قرائن الأحوال أن هذا الأمر الذي تذمّه به في نظرك، لا يقدح عند القوم الذين يطلبون نكاحه، فما خنتهم إذا لم تذكر لهم ما يقبح عندك، فإنه ليس بقبيح عندهم وهم مُقْدِمون عليه، وهذا موقوف على معرفة أحوال الناس. ومثل‏ هذا الكلام في الأسانيد في حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم؛ كان أحمد بن حنبل يقول ليحيى بن معين: "تعال نَغْتَب في الله"، والمستشار مؤتمَن.

وإياك والأكل والشرب في أواني الذهب والفضة. وإياك والجلوس على مائدة يدار عليها الخمر ولا (أيّ) حرام أصلاً. واجتنب لباس الحرير والذهب إن كنت رجلاً، وهو حلال للمرأة.

وإذا رأيت رؤيا تحزنك، واستيقظت؛ فاتفل عن يسارك ثلاث مرات، وقل "أعوذ بالله من شرّ ما رأيت"، وتحول عن جنبك الذي كنت عليه في حال رؤياك إلى الجنب الآخر، ولا تحدث بما رأيت، فإنها لا تضرّك.‏ فحافظ على مثل هذا تَرَ برهانه؛ فإن كثيراً من الناس، وإن استعاذوا، يتحدثون بما رأوه، وقد ورد أن "الرؤيا معلّقةٌ برجل طائر؛ فإذا قالها (صاحبها)، سقطت لما قيلت له‏".

وعليك باستعمال الطيب فإنه سنّة، واستعمل منه إن كنت ذكراً ما ظهر ريحه وخفي لونه، وإن كنت امرأة فاستعمل منه ما ظهر لونه وخفي ريحه، فإن الحديث النبوي بهذا ورد. وعليك بالسواك لكل صلاة، وعند كل وضوء، وعند دخولك إلى بيتك، فـ "إنه مَطْهَرةٌ للفمّ ومَرْضاة للربّ". وقد ورد "إن صلاة بسواك تفضلُ سبعين صلاة بغير سواك"، ذكره ابن زنجويه في كتاب "الترغيب في فضائل الأعمال".‏

وإيّاك واليمين الغموس؛ فإنها تغمس صاحبها في الإثم، فإن الناس اختلفوا في كفّارتها، فمنهم من ألحقها في الكفّارة بالإيمان، ومنهم من قال: إنها لا كفّارة فيها، وهي اليمين التي تقطع بها حقاً للغير وجبَ عليك. وفي هذا فقه عجيب دقيق لمن نظر وتفقّه في وجوب الحق متى يكون، وبأي صفة يكون، وما منعني أن أبيّنه للناس إلا سدّ الذريعة، حتى لا يتأوّل فيه الجاهل، فيجاوز القدر الذي نذكره، فيقع في الإثم وهو لا يشعر، فإن الفقهاء أغفلوا هذا الوجه الذي أومأنا إليه، وما ذكروه.

وإياك والمِراء في القرآن، فإنه كفرٌ بنص الحديث‏؛ وهو الخوض فيه بأنه مُحْدَث أو قديم، أو هل هذا المكتوب في المصاحف والمتلو المتلفّظ به عين كلام الله، أو ما هو عين كلام الله، فالكلام في مثل هذا والخوض فيه هو الخوض في آيات الله، وهذا هو المراء والجدال في القرآن الداخل في قوله تعالى "وإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ"، فسمّاه حديثاً، وليس إلا القرآن، فلو أراد آيات غير القرآن، لقال فيها بضمير الآية أو الآيات، فليس للذكورية هنا دخول، إلا إذا أراد آيات القرآن، والقرآن خبر الله، والخبر عين الحديث، وقال "ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ" و"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ"، والذكر (هو) الحديث.‏


* الفتوحات المكّية، الباب 560.

تم عمل هذا الموقع بواسطة