بسم الله الرحمن الرحيم
وصية
(احذر يا وليّ أن تريد علوّاً في الأرض)
الشيخ الأكبر ابن العربي
احذر يا وليّ أن تريد علوّاً في الأرض، والزَم الخمول. وإن أعلى الله كلمتك، فما أعلى إلا الحقَّ، وإن رزقك الرِّفعة في قلوب الخلق، فذلك إليه عزّ وجلّ. والذي يلزمك التواضع والذلّة والانكسار، فإنه إنما أنشاك من الأرض، فلا تعلُ عليها فإنها أمك، ومن تكبّر على أمه فقد عقّها، وعقوق الوالدين حرام. ثم إنه قد ورد في الحديث "إن حقاً على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه"، فإن كنت أنت ذلك الشيء، فانتظر وَضْعَ الله إياك. وما أخاف على مَنْ هذه صفته إلا أن الله تعالى، إذا وضعه، يضعه في النار، وذلك إذا رفع ذلك الشيء نفسه، لا إذا رفعه الله، فذلك ليس إليه؛ إلا أنه لا بد أن يراقب الله فيما أعطاه من الرفعة في الأرض بولايةٍ وتقدّمٍ، يُخْدَم من أجله، ويُغشى بابُه، ويُلزَم ركابُه، فلا يبرح ناظراً في عبوديّته وأصله، فإنه خُلق من ضعف ومن أصل موصوف بأنه ذلول، ويعلم أن تلك الرفعة إنما هي للرتبة والمنصب، لا لذاته، فإنه إذا عُزِل عنها لم يبقَ له ذلك الوزن الذي كان يتخيّله، وينتقل ذلك إلى مَنْ أقامه الله في تلك المنزلة. فالعلوّ للمنزلة لا لذاته، فمن أراد العلوّ في الأرض فقد أراد الولاية فيها. وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الولاية "إنها يوم القيامة حسرةٌ وندامة"، فلا تكن من الجاهلين.
فالذي أوصيك به أنك لا تريد علوّاً في الأرض، وإن أعطاك الله، لا تطلب أنت من الله، إلا أن تكون في نفسك صاحب ذلّة ومسكنة وخشوع. فإنك لن تحصّل ذلك إلا أن يكون الحق مشهوداً لك، وليس مدار الخلق والأكابر إلا على أن يحصل لهم مقام الشهود، فإنه الوجود المطلوب.
* الفتوحات المكّية، الباب 560.