بسم الله الرحمن الرحيم
وصية
(عليك باستعمال العلم في جميع حركاتك وسكناتك)
الشيخ الأكبر ابن العربي
وعليك باستعمال العلم في جميع حركاتك وسكناتك، فإن السخيّ الكامل السخاء من يسخى بنفسه على العلم، فكان بحكم ما شرع الله له، فعَلِمَ وعَمِلَ وعَلَّمَ من لم يعلم. وقد أثنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على من قبل العلم وعَمِل به وعلّمه، وذمّ نقيض ذلك. فثبت عنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال "مَثَلُ ما بعثني الله به من الهدى والعلم كَمَثَلِ غَيْثٍ أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة قَبِلَت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله به الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تُنبت كلأ. وكذلك مَن فَقِهَ في دين الله، ونفعه الله بما بعثني به، فَعَلِم وعَمِلَ وعَلَّمَ. ومَثَلُ من لم يرفع بذلك رأساً، مَثَلُ القيعان التي لم تمسك ماء ولا أنبتت كلأ".
فكن يا أخي ممّن عَلِمَ وعَمِلَ وعَلَّمَ، ولا تكن ممّن عَلِمَ وترك العمل، فتكون كالسراج أو كالشمعة تضيء للناس وتحرق نفسك، فإنك إذا عَمِلت بما عَلِمْتَ، جعل الله لك فرقاناً ونوراً، وورّثك ذلك العمل علماً آخر لم تكن تعلمه من العلم بالله، وبما لك فيه منفعة عند الله في آخرتك. فاجهد أن تكون من العلماء العاملين المرشِدين.
* الفتوحات المكّية، الباب 560.