1 قراءة دقيقة
عليك بالمحافظة على صلاة الأوّابين

بسم الله الرحمن الرحيم 

وصية

(عليك بالمحافظة على صلاة الأوّابين)

الشيخ الأكبر ابن العربي

وعليك بالمحافظة على صلاة الأوّابين، وهي الصلاة في الأوقات المغفول عنها عند العامّة، وهي ما بين الضحى إلى الزّوال، وما بين الظهر والعصر، وما بين المغرب والعشاء الآخرة. و(على) التهجّد، وهو أن ينام من أول الليل بعد صلاة العشاء الآخرة، ثم يقوم إلى الصلاة، ثم ينام، ثم يقوم إلى الصلاة، إلى أن يطلع الفجر. فإذا طلع الفجر، فاركع ركعتيْ الفجر، ثم اضطجع على شقّك الأيمن من غير نوم، ثم قم إلى صلاة الصبح.

واجعل وِتْرَكَ ثلاث عشرة ركعة في تهجّدك؛ فإن هذا كان وتر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم. وأطل الركعتين الأُولتين من التهجّد، ثم اللتين بعدهما أقل منهما في الطول، والركعة الأولى من كل ركعتين؛ على قدر الثانية من اللتين تقدّمتهما، والركعة الثانية من كل ركعتين على النصف من الركعة الأولى منهما، أو قريب من‏ ذلك، إلى أن توتر بركعة واحدة؛ إن شئت أن لا تجلس إلا في آخر ركعة من وتر صلاتك وهي الإحدى عشر، وإن شئت جلستَ في كل ركعتين، ولا تسلّم إلا في آخر ركعة مفردة. وإن شئت خَمَّسْتَ وسبّعتَ وتَسّعْتَ، كل ذلك مباح لك. ولا تُثَلِّث من أجل التشبه بصلاة المغرب، وقد ورد في النهي عن ذلك خبرٌ، وكذلك في الركعة الواحدة، وتسمى البتيراء. فاجتنب مواقع الخلاف ما استطعت، واهرب إلى محلّ الإجماع، مع أنه ثبت أنه (صلّى الله عليه وسلّم) أوتر بثلاث. فإن أوترت بثلاث فلا تجلس إلا في آخرها وتسلّم، حتى تفرق في الشّبَه بينها وبين المغرب.

وإذا قمت إلى الصلاة بالليل وتوضّأت، فاركع ركعتين خفيفتين، ثم بعدهما اشرع في صلاة الليل، كما رسمت لك. وعند قيامك للتهجّد امسح عينيك من النوم بيديك، ثم اتل "إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والْأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ" الآيات بكمالها، ثم قم فتوضأ، واستفتح صلاتك بركعتين خفيفتين، ثم اشرع في قيام الليل على ما وصفته لك، في باب الصلاة من هذا الكتاب وأذكاره، فانظره فيه وانظر اعتباره إن شاء الله.

وقد ثبت أن صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال، واجتنب الصلاة عند الاستواء، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس. وحافظ على الصلاة في جماعة، فإنها تزيد على صلاة الفذِّ بسبع وعشرين درجة. وحافظ على أربع ركعات في أول النهار عند الإشراق، كما قال (تعالى): "يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ والْإِشْراقِ"، والسّبحةُ صلاة النافلة. يقول عبد الله بن عمر، وهو عربيّ في النافلة في‏ السفر:" لو كنت مسبِّحاً أتممتُ". ثم صلاة الضحى ثمان ركعات بعد صلاة الإشراق، ثم أربع ركعات قبل الظهر وبعد الزوال، ثم أربع ركعات بعد صلاة الظهر، ثم أربع ركعات قبل صلاة العصر، ثم ست ركعات بعد المغرب، ثم ثلاث عشرة ركعة وترك من الليل، فيها ركعتي الفجر، وتبقى إحدى عشرة ركعة هي صلاة الليل، هذا لا بد منه لمن يريد اتباع السنة والاقتداء. وفي رواية "ركعتين قبل المغرب"، ثم إن زدت فأنت وذلك،‏ فإن "الصلاة خيرٌ موضوع، فمن شاء فليستقلل، ومن شاء فليستكثر، فإنه يناجي ربّه، والحديث مع الله والاستكثار منه أشرف الأحوال. وأما الوصية بالصدقة والصوم، فقد تقدّم في باب الزكاة، وباب الصيام، وكذلك الحج، من هذا الكتاب‏.


* الفتوحات المكّية، الباب 560.

تم عمل هذا الموقع بواسطة